عاد الحديث عن منتخبنا الوطني لكرة القدم هذه الأيام، ليسرق كل الأضواء من موضوعات التشريعيات وتداعياتها، وتأجيل تشكيل الحكومة الجديدة وحرارة الصيف، وحتى امتحانات الباكالوريا، وشؤون الحياة اليومية للمواطنين، الذين تجاوبوا مع أداء المنتخب والنتيجة العريضة التي فاز بها أمام رواندا.. ووصلت التوقعات حدَّ الحديث عن منتخب متكامل وكبير وقوي قادر على التأهل إلى مونديال البرازيل بسهولة. وتسرّعت الصحافة في إطلاق الأحكام على بودبوز وفيغولي وسليماني وحشود، وقالت عنهم كلاما جميلا ووصفتهم بكل النعوت، ولكن الحقيقة أننا لم نفز إلا بمباراة واحدة، ولم نضمن التأهل إلى المونديال بعد. كما أننا لن نضمنه في حال فوزنا اليوم على مالي، ولن نقصى مبكرا في حال الخسارة. إن مرحلة إعادة البناء تستغرق الوقت والجهد والصبر، والمزيد من الفهم من جماهيرنا الوفية، ومن صحافتنا الفتية التي نريدها أن تبيع صحفها وتسوق الحلم، لا أن تبيع وتسوق الوهم بالشكل الذي سمعناه وقرأناه!
الشيء الجميل أن منتخبنا فاز بنتيجة كبيرة، ولم يعد يعتمد ويرتكز على لاعب واحد أو على بعض اللاعبين، ولم يعد يتأثر كثيرا بالغيابات والإصابات، رغم أن الأمر يتعلق بحليش وبوقرة ويبدة وزياني. إن منتخبنا الذي كان عبر السنين يحتل المؤخرة قاريا وعربيا، صار الآن الرقم الأول عربيا، وضمن الأوائل إفريقيا، ومع قائمة الثلاثين عالميا، وهو مكسب يقودنا إلى الاستثمار فيه دون النفخ في لاعبيه، لأن النقائص ما زالت موجودة، وما زال اللاعبون من المحليين وبعض المحترفين ينقصهم الكثير، وبطولتنا ما زالت ضعيفة، ونوادينا غير مستقرة على غرار ما يحدث من مهازل في المولودية عميد الأندية، كما أن بعض صحفنا ما زالت تدغدغ المشاعر والعواطف وتتناول الجزئيات وتبتعد عن الأساسيات..
من حق الجماهير أن تحلم وتأمُل تكرارَ سيناريو 2010، ومن حق صحافتنا أن تبيع صفحاتها وتبعث الأمل، ولكن من واجبنا -نحن معشر الإعلاميين والفنيين والمحللين- أن نبتعد عن الوهم والكذب والخداع، سواء فزنا اليوم في واڤادوڤو على مالي أو تعثرنا.. ذلك أن بوادر إعادة بعث منتخب متوازن ومستقر في أدائه تلوح في الأفق، وتحكيم العقل والمنطق يفرض علينا التواضع والمزيد من العمل.
من جهة أخرى، يجب أن لا نكتفي بالفوز على رواندا ومالي وبنين، ثم نستسلم للغرور وننسى الهموم والمشاكل والتحديات التي تنتظرنا؛ على صعيد تطوير كرتنا ورياضتنا، وتثقيف أبنائنا وتعليمهم، وتوفير متطلبات الحياة الكريمة لشعبنا، وتدعيم مكتسباتنا، وبناء وطن متوازن ومتجانس ننعم فيه بالحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة والتداول على المناصب والمسؤوليات، ونفسح فيه المجال للكفاءات والفئات الشابة لكي تتألق، مثلما فعلنا مع المنتخب الذي يتداول فيه أبناؤنا على التألق دون أن يتأثر.. لقد ذهب سعدان وقاواوي وعنتر يحيى ومطمور ومنصوري، واستغنى المدرب الجديد عن زياني وغزال، وأصيب يبدة وبوقرة وجابو، ومع ذلك بقي المنتخب واقفا.. بل تحسن مردوده وراح يصنع الحلم والأمل في التألق مجددا، وإسعاد الجماهير الوفية التي نتمنى أن يسعدها أيضا الاستقرار السياسي والاقتصادي المنشود والتحول الاجتماعي الذي نصبوا إليه من أجل تجديد النفس في جزائر نحلم بها.