أيّ مستقبل نريد للجزائر؟
أحمد بلقمري*
أيّ إخفاق بعد خمسين سنة من استرجاع السّيادة الوطنيّة سيدفع نحوتغيير هذه الوضعيّة العبثية والعدميّة إلى الأحسن؟!. أيّ حجج وأعذار ستقبلها أجيال الغد بعد استلامهم بلدا مُنهارا، مُدمّرا يكاد يحتضر بعد حوالي خمسين سنة من الآن؟!.
لست هنا بصدد التسييس المتضخم للأشياء، لست متشائما أو حاقدا أو متآمرا على بلدي إنّما أقول الحقيقة التي لا يريد تصديقها أحد؛ بلد ذو مستقبل واعد، غارق في مأساته، يتقهقر في صمت وينتحر في بطء.
إنّ قراءة سريعة في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لسنة 2011/ 2012 سيقدّم لنا بما لا يدع مجالا للشك حقيقة سوداء عن مؤشّرات التنمية في الجزائر، حيث تعاني مشاكل بالجملة في ظلّ وضعيّة مريحة ماليا كان من المفروض أن تكون محطة انطلاق نحو مستقبل أفضل لا فرصة مثالية لتبديد الرّيع البترولي والاكتناز والاغتناء على حساب الوطن والمواطن.
فأيّ مستقبل نريد للجزائر ونحن نسجّل خيبتنا الكبرى على طريق الجزائر الأمل التي لم تبن بعد؟.
لن أقدّم في مقالي هذا حصيلة لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي في شقه المتعلق بالجزائر"القراءات المعمقة متروكة لأهل الاختصاص من الخبراء الاقتصاديين" بقدر ما سأسجّل قلقي على أداء الاقتصاد الجزائري في ظلّ الضعف المسجّل على مستوى مختلف المؤشرات بما فيها أداء المؤسسات، البنى التحتية، بيئة الاقتصاد الكلي، الصحّة والتعليم الابتدائي، التعليم العالي والتدريب "التكوين"، مردودية سوق المنتجات "السلع"، مردودية سوق الشغل، تطوّر السّوق المالي، استخدام التكنولوجيا، مؤشرات السوق الداخلي والخارجي، الابتكار وغيرها من المؤشرات التي لا توافق تماما المعطيات التي تقدّمها الحكومة بين فترة وأخرى.
هناك عجز واضح ومواعيد مخلوفة، هناك كثير من الوهم المسوّق للنّاس على غرار المشاريع السّكنية "مشروع المليون سكن/ المليوني سكن" التي تطلق غداة كلّ استحقاق انتخابي، وهناك الإنجازات المنقوصة والفرص الهاربة!!
في جزائر اليوم نفتقد للصدق، لمشروع دولة ومجتمع حديث؛ نفتقد للإرادة السياسية الرّامية للتغيير، للبناء، للتجديد والحداثة، هذا ما يجب الاعتراف به قبل الحديث عن الخيارات الممكنة والآمال المعقودة. إذا ما أردنا الخروج من دوّامة الفجيعة والانطلاق نحو بناء غد مشرق لا بدّ أن نقضي على كلّ مظاهر الاستلاب السياسي، علينا أن نحرّر الإنسان وأن نسهر على احترام حقوقه، علينا أن نصنع الوعي ونثمّن أفعال المواطنة، لأنّ البلدان العظيمة، الكبيرة والمحترمة تبنى على أسس ديمقراطية كما تبنى بالسّلم والتسامح، والجمعوية وكلّ القيم المنتجة والمكتسبة في إطار التضامن الاجتماعي.
كان من المفروض قبل خمسين سنة من الآن أنّ الجزائريّين اتّفقوا على بناء دولة لا تزول بزوال الرّجال، دولة المؤسسات، دولة الحقّ والقانون، لكنّ هذا لم يتم إلى اليوم، وقد حان الوقت لنطوي الصّفحة ونمرّ إلى العالم الواقعي حيث يجب تشخيص الوضعية والبحث عن العلاج والتنبؤ بالمآلات الممكنة. يبدو أنّنا حلمنا كثيرا وأنجزنا قليلا، لذلك علينا بالعودة إلى الأرض والتفكير في الخروج من دائرة الإخفاقات المتتالية والخيبات المستمرة. لقد حان الوقت لوقف الانحراف الاقتصادي، وإعادة هيبة الدّولة وسمعتها على الصعيد الخارجي، آن أوان القضاء على الإفلاس الاجتماعي..
إنّها لحظة فارقة في تاريخ الجزائر التي يجب أن تعود من دروب التاريخ الضّالة إلى جادة التاريخ النّاصع البياض لأنّ هذا الوطن "حرّره الجميع ويبنيه الجميع". إنّنا نريد مشروعا عصرنيّا، ومستقبلا أكثر أملا، نريد مشروعا كبيرا وجميلا لا أوهاما عائمة ووعودا زائفة. نريد إعادة الاعتبار للإنسان الجزائري المبدع والقادر على قهر الألم وتحدّي المأساة، نريد روحا أخرى تقود إلى الديمقراطية الحقيقية وتعترف بالمواطنة الفعلية، نريد مسارا جادّا وجديدا على سبيل التطوّر والحداثة. نريد أقل من الانتظار وأكبر من الرّجاء لأنّنا نستحقّ فعلا أن نكون.
* كاتب صحفي، مدوّن، قاص وشاعر/ الجزائر